عندما يُعَمم «الإنترنت الكمومي»…كل تقنيات التشفير لن تصمد ثانية واحدة!

شارك هذا المقال

تتقدم الجهود بخطى ثابتة نحو بناء شبكة الإنترنت الكمومي فائقة الأمان باستخدام تقنيات التشفير. ويرجع الفضل لذلك إلى قوانين الميكانيكا الكمومية والتي تعتبر جزءًا من (فيزياء الكم التي تحكم الكون بدقة).

لكن مهلًا ما الإنترنت الكمومي وما هي تقنيات التشفير وهل سيكون ذلك بديلًا لشبكة الإنترنت التقليدية.

نعرض لكم تفاصيل أكثر عن شبكة الإنترنت الكمومية وتحدياتها ومستقبلها عبر سطور هذا المقال.

ما الإنترنت الكمومي؟

تتألف شبكة الإنترنت الكمومية من عدد كبير من الأجهزة الكمومية والعقد الوسيطة التي تعزّز الحوسبة السريعة. وتُمكن الإنترنت الكمومية أيضًا الأجهزة الكمومية من التواصل مع بعضها بعضًا؛ كما أنها ستسمح بإنشاء شبكات غير قابلة للاختراق تمتاز بالأمان الفائق.

قد تتساءل عزيزي القارئ عن معاني تلك المفاهيم التي تضج بها صفحات الإنترنت ونجيبك من خلال وصف مختصر لتلك المصطلحات عبر الجدول الآتي:

المصطلحالمعنى
شبكة الإنترنت الكموميوسيلة لربط المعلومات المتدفقة بين الحواسيب الكمومية. تستخدم عدد غير محدد من المعلومات الكمية والقيم، كما توفر حماية فائقة للمستخدمين من الاختراق.
الأجهزة الكموميةتتبع مجموعة قواعد مختلفة. ولا تستخدم الأصفار و الآحاد مثل أجهزة الكمبيوتر الكلاسيكية – بتات و بايت – لكنها في الواقع قادرة على العمل مع شيء يسمى الكيوبتات.
فيزياء الكموهو مصطلح فيزيائي يستخدم لوصف أصغر كمّية من الطاقة يمكن تبادلها بين الجسيمات، ويستخدم للإشارة إلى كميات الطاقة المحددة التي تنبعث بشكل متقطع، وليس بشكل مستمر
الكيوبتات (Qubit) تحمل ال (Qubit) رقمين صفر وواحد معًا بنفس الوقت. ويتم نقل المعلومات المخزنة في«الكيوبتس» عبر مسافات بعيدة من خلال عملية التشابك (Entangled).
التشابك (Entangled).تشكّل عملية التشابك ظاهرة “شبحيّة” تتيح للجسيمات بالتأثير في بعضها بعضاً عبر مسافات بعيدة.

هل هذا حقيقي وتم تجربته في الواقع؟

لقد نجح باحثون في مركز أبحاث شركة كيوتك (QuTech) مقرها هولندا بإنشاء نظام يتكون من ثلاث عقد كمومية متشابكة. ويمكن لتلك العقد أن تخزّن وتعالج البتات الكمومية أو«الكيوبتس» وفق قوانين ميكانيا الكم التي تحكم الجسيمات غير الذرية. وقد تم ربط أكثر من بتين كموميين معًا بوصفها عُقدًا للشبكة.

الكيوبتس أو البتات الكمومية هي التي تقوم بالحسابات في الحوسبة الكمومية.

قد تسأل عزيزي القارئ هل سيرى ذلك المشروع النور خلال الفترة القادمة أم أنه سيحتاج إلى فترة زمنية أطول حتى تتضح أبعاده ومفاهيمه بشكل أكبر؟ وما هي التحديات التي تواجهه؟

ونجيبك أنه لإخراج الإنترنت الكمومي من حيز الأبحاث إلى الواقع الملموس، يواجه العلماء تحديات جمّة. سنذكر بعضًا منها!

تحديات الإنترنت الكمومي

من التحديات التي تواجه بناء شبكة إنترنت كمومي هي كيفية بناء الجسيمات المتشابكة؛ حيث إنه من الصعب نقلها لمسافات بعيدة.

وفي هذا الصدد، تمكّن فريق من جامعة (Delft) للتكنولوجيا؛ من ربط الجسيمات المتشابكة لمسافة أكثر من 1.5 كيلومتر.

ويأمل فريق العمل في زيادة المسافة لإنشاء رابط كمي بين مدينتي دلفت ولاهاي؛ حيث تبلغ المسافة بين هاتين المدينتين 12 كم تقريبًا.

ويتطلب الأمر لإنجاحه بناء الشبكة وربطها بمكررات كمومية لتوسيع مدى الشبكة؛ ويجري العمل حاليًا على تصميمها في مدينة دلفت و أماكن أخرى. ومن المتوقع أن تكون جاهزة في السنوات الست المقبلة وستكون أول شبكة كمومية متكاملة.

والآن بعد أن تحدثنا عن التحديات التي تعيق إنشاء شبكة الإنترنت الكمومي.

دعنا نتحدث عن الجانب الأمني من هذه الشبكة.

إذ أنه كما تعلم أن الأمان الرقمي أصبح من ضرورات العصر، وليس أمرًا هامشيًا.

الإنترنت الكمومي..حماية فائقة للشبكات – لكن كيف؟

الإنترنت الكمومي والشبكات
الإنترنت الكمومي والشبكات

يحاول العلماء ومنذ أكثر من 20 عامًا إطلاق شبكة كمومية قادرة على حل مشاكل التجسس والاختراق التي تعاني منها الشبكات الحالية.

ولن تكون هذه الشبكات الكمومية عند انتشارها بديلًا نهائيًا عن الشبكة الحالية. بل رديفًا يقدم حلولًا تكنولوجية أكثر ابتكارًا، لاسيما تقنيات التشفير المحُسن.

في هذا السياق، يقول «سيديث كودورو» الباحث في الاتصالات الكمومية من جامعة بريستول: “لقد حققّنا فتحًا معرفيًا سيجعل الإنترنت الكمومي حقيقة ملموسة وذلك من خلال الفهم المُعمّق للبنى التحتية لشبكات الاتصالات الحالية”.

وبعبارةٍ أيسر، ستحمي الشبكات الكمومية الرسائل المتبادلة بين الأشخاص من اختراقات المتسللين عن طريق جزيئات الفوتونات الضوئية والتي يستحيل نسخها أو اكتشافها بفضل التشفير المُحسن؛ ولن يستطيع الهاكر -مهما كان محترفًا- أن يقرأ الرسائل االمُشفرة كميًا.

ما هي الفوتونات الضوئية؟

الفوتون هو الوحدة الأساسية للضوء، وهو كَمّات من الأشعة الكهرومغناطيسية متناهية الصغر. أو جسيمات عديمة الكتلة، عديمة طاقة السكون، ولا تكف عن الحركة.

هذا وتحقيق هذه التقنيات ليس ببعيد؛ حيث استخدم الإنترنت الكمي في الأقمار الصناعية والكابلات الضوئية لتبادل رسائل آمنة بين البلدان. ومن الصعب تطبيقها حاليًا بسبب ثمنها الباهظ.

وفي هذا الصدد، كتب «سوميت كاتري» الباحث في جامعة لويزيانا ورقة بحثية تحمل عنوان «جدوى الإنترنت الكمي الفضائي» وقد نُشرت في مجلة (MIT Technology Review وأوضح فيها أن الأقمار الاصطناعية تستطيع بث الفوتونات إلى سطح الأرض.

وأضاف «سوميت»: أنه في حالة «النقل الكمومي» عن بعد؛ وإذا رغب شخصان بالتواصل؛ فعليهما أن يتشاركا زوجًا من الجسيمات المتشابكة؛ ثم ومن خلال بعض العمليات التقنية يستطيع المُرسِل إرسال معلومات كمية إلى جهاز الاستقبال وهذا التشابك الكمي بين شخصين من أماكن مختلفة في العالم هو فعليًا أساس «الإنترنت الكمومي».

الاتصالات الكمومية..كيف تتم؟

الاتصالات الكمومية
الاتصالات الكمومية

كانت الاتصالات الكمومية سابقًا تعتمد على تقنيات تشبه أجهزة الاتصال اللاسلكي للأطفال (walkie talkies) -الراديو ثنائي الاتجاه- وتُنشأ من خلال جهازين لكل مستخدم؛ يحتاج مثلًا ثلاثة أطفال إلى ستة أجهزة اتصال لاسلكي- أي يحمل كل طفل هاتفين لاسلكيين.

وأضاف «سيديث كودورو»: “إن التقنية السابقة التي تحمل فيها جهازًا واحدًا لكل شخص أو موقع ويب تريد الاتصال به غير عمليّة. لذلك أنشأنا نموذجًا حديثًا يشبه الهواتف الخلوية.

ما هو التشفير أو التعمية؟

هو الطريقة التي يتم فيها تحويل المعلومات إلى رمز سري. كما يُسمى العلم الذي يقوم بفك تشفير هذه الرموز بـــ “علم تشفير المعلومات”. وأيضًا تسمى البيانات الُمشفرة بـــ “النص المشفر”.

ويحتاج المستخدم هنا إلى جهاز مُستقِبل واحد لاستقبال الفوتونات؛ وتوليد مفاتيح التشفير من جهاز الإرسال المركزي لتوفير اتصال آمن مع جميع المستخدمين”.

تعتمد هذه التقنية بشكل أساسي على مبدأ «التشابك الكمومي»؛ وهو جزء من ميكانيكا الكم، أي: عندما يقترن زوج من الفوتونات كموميًا؛ فإنهما يتصرفان بالطريقة نفسها وفي وقت واحد بغض النظر عن بعدهما المادي؛ وهذا ما أسماه العالم ألبرت آينشتاين «الفعل الشبحي عن بُعد».

شبكة متكاملة..تقنيات تشفير عالية

التشفير

من الاستخدامات المفيدة لظاهرة التشابك الكمومي عملية تشفير المعلومات.

فمثلًا إذا أردت إرسال رسالة إلى صديقك في بلد آخر؛ يرسل جهاز الإرسال الخاص بكما جسيمًا من زوج من الفوتونات المتشابكة؛ وبعد قياس الفوتونين يتم إنشاء مفتاح كمي سري مشترك؛ وسيُعطى كلًا منكما رمزًا فريدًا؛ يمكنك بعد ذلك تشفير الرسالة وإرسالها إلى صديقك الذي بدوره سيفك التشفير باستخدام الرمز السري الفريد بأمان.

ومن الممكن أيضًا إرسال أزواج من الفوتونات المتشابكة باستخدام تقنية الإرسال المتعدد (Multiplexing).

تعمل تقنية الإرسال المتعدد على تجميع الإشارات الرقمية أو تقطيعها إلى مجموعات متعددة من المستخدمين بنفس الوقت.

ويستطيع المستخدم عند تلقيه للإشارات الرقمية أن يفك تشفيرها بنفس اللحظة.

في هذا النموذج الجديد يتم استبدال أزواج أجهزة الاتصال اللاسلكي بنظام مماثل لمكالمات الفيديو التي تتم بين عدة مشاركين. كما يستطيع المستخدم من خلال هذه التقنية أيضًا إجراء اتصالات مستقلة بنفس الوقت.

قد يبد لك الأمر غريبًا عزيزي القارئ وغير منطقي وتتساءل كيف يمكن أن تستبدل تلك التكتنولوجيا الحديثة شبكة الإنترنت التقليدية؟

لا تقلق لن تذهب الإنترنت الحالية كما تعرفها الآن قريبًا!

على الرغم من التفوق التكنولوجي العالمي؛ إلا أن الإنترنت الكمومي سيبقى محصورًا في المختبرات. ولن يتم استبدال الشبكات الحالية بشبكات الإنترنت الكمومي. بل سيُشغّل الإنترنت الكمومي مع الإنترنت العادي؛ على الأقل لسنوات مقبلة.

نحن بانتظار كل جديد يخص شبكة الإنترنت الكمومي. ونتشوق لخوض تجربة غير تقليدية وفريدة من نوعها، ربما تفتح لنا آفاقًا غير مسبوقة وواعدة لمستقبل باتت ملامحه تتبلور بشكل سريع وأكثر مما نتوقع.

المراجع:


شارك هذا المقال

Similar Posts