الذكاء الاصطناعي التوليدي: شريك أم منافس لصُنّاع المحتوى؟
شهدت الساحة التقنية في العام المنصرم تحولًا جذريًا مع بزوغ تطبيق الشات جي بي تي (ChatGPT)، الذي أحدث ثورة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي. هذا الابتكار الرائد لم يكتفِ بإثارة الإعجاب، بل دفع عمالقة التكنولوجيا، مثل “Microsoft Office”، إلى تبني هذه التقنية بسرعة، ودمجها في صميم عملياتها بهدف تحقيق زيادة وسرعة في الإنتاجية.
وعلى الرغم من استغلال منشئي المحتوى والمسوقين لهذه التقنية في تطوير أعمالهم، إلا أنهم واجهوا تحديات جوهرية، كقضايا حقوق الملكية الفكرية ومسألة دقة المعلومات.
يناقش المقال التالي كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنشاء المحتوى، ويسلط الضوء أيضًا على التحديات الرئيسة التي يفرضها على صناع المحتوى في ظل هذا التحول التكنولوجي غير المسبوق.
دعونا بداية نتعرف على ماهية الذكاء الاصطناعي التوليدي.
قائمة المحتويات
ما هو الذكاء الاصطناعي التوليدي – Generative AI؟
الذكاء الاصطناعي التوليدي هو نوع من الذكاء الاصطناعي يمكنه إنشاء محتوى جديد وأفكار مبتكرة. يشمل هذا النوع إنشاء نصوص، وصور، ووسائط أخرى باستخدام نماذج تعلم الآلة.
كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنشاء المحتوى؟
يعتمد الذكاء الاصطناعي التوليدي على تحليل البيانات الضخمة لاستنباط أنماط الإنشاء، ومن ثم، يولد محتوى مشابه. تتصدر نماذج اللغات الكبيرة، مثل تلك المستخدمة في “ChatGPT” هذا المجال بفضل قدرتها على إنتاج النصوص؛ بينما تبرز نماذج الانتشار (Diffusion Model) في توليد الصور والفيديوهات.
تتميز نماذج الانتشار (Diffusion Models) بقدرتها على استخلاص جوهر الصورة من خلال متغيرات كامنة، حيث تزيل الضبابية والضوضاء للكشف عن البنية الأساسية. تتعدد تطبيقات نماذج الانتشار لتشمل تحسين جودة الصور وزيادة وضوحها، وكذلك معالجة تعابير الوجه. بل يمكنها أيضًا محاكاة آثار التقدم في العمر على الملامح، متنبئةً بالمظهر المستقبلي للشخص.
في خضم هذه الثورة التكنولوجية، تتسابق الشركات العملاقة لتطبيق الذكاء الاصطناعي التوليدي. فها هي “Netflix” تستثمر في هذه التقنية لإنتاج إعلانات سينمائية تخطف الأنفاس، مصممة بعناية لجذب كل مشترك على حدى. أما “Buzzfeed”، فتوظف هذه التكنولوجيا لإنتاج محتوى شخصي، مثل تصميم وصفات طعام تفاعلية تثير فضول المستخدمين.
وفي عالم الأخبار، تقدم “Google” خدمة أتمتة التقارير، وقد تبنتها بالفعل صحف كبيرة، مثل :نيويورك تايمز” و”بي بي سي”.
لا تقف الابتكارات عند هذا الحد؛ فتطبيق”Synthesia” يمكنك من تحويل النصوص إلى فيديوهات، بينما تنتج “Writesonic” محتوىً مكتوبًا، وروبوتات دردشة تعكس روح علامتك التجارية.
قد يهمك قراءة:
شركة Meta تدخل عالم الذكاء الاصطناعي بإطلاق نموذج لغوي عملاق مفتوح المصدر
الذكاء العام الاصطناعي AGI.. هل يكون النسخة الأخطر من الذكاء الاصطناعي؟
كيف يعزز الذكاء الاصطناعي التوليدي العمل الإبداعي؟
في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، من الضروري أن يدرك صُنّاع المحتوى أن هذه التقنية هي أداة لتعزيز قدراتهم، وليست لاستبدالها. يشير سام جارج، الرئيس التنفيذي لـ “Writesonic”، إلى أن “المحتوى الآلي يميل إلى العمومية والنمطية، وغالبًا ما يفتقر إلى العنصر الأهم في العالم الرقمي: ألا وهو القدرة على جذب الانتباه.”
على الرغم من قدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج مقالات، ونصوص إعلانية، وفيديوهات ترويجية، إلا أن جارج يؤكد أن هذا ليس الاستخدام الأمثل له. فهو يرى في الذكاء الاصطناعي شريك مساعد في رفع وتعزيز إنتاجية البشر، وليس بديلًا عنهم، مما يحافظ على الطابع الإنساني والعمق في المحتوى.
هذا ويمكن توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في كل مرحلة من عملية صناعة المحتوى، ابتداءً من وضع الأفكار الأولية إلى النشر. لكن، ما يميز المحتوى الناجح: هو”تقديم أفكار جديدة وبناء روابط عاطفية مع الجمهور. وهنا يكمن قصور الذكاء الاصطناعي؛ فهو يعيد صياغة المعرفة الموجودة لديه دون توليد أفكار أصيلة، ويفتقر إلى الفهم العميق للعواطف البشرية.”
اقرأ أكثر: “Voicebox”: ابتكار جديد من ميتا لإنشاء وتحرير الكلام بست لغات
ما هي تحديات صناعة المحتوى في ظل الذكاء الاصطناعي؟
في ظل التقدم الملحوظ للذكاء الاصطناعي التوليدي، تظهر تحديات تتعدى حدود إنتاج محتوى عادي. تأتي في مقدمة هذه التحديات قضايا حقوق الطبع والنشر، التي تتخذ شكلين متمايزين:
1- ملكية المحتوى المولَّد آليًا: هل تعود الملكية لمستخدم التقنية، أم لمبتكري الأدوات، أم لأصحاب البيانات الأصلية التي استُخدمت في تدريب خوارزميات التعلم؟ هذا السؤال ما زال موضوع نقاش في الأوساط القانونية.
2- هل من الممكن فرض حقوق الطبع والنشر على تطبيقات الذكاء الاصطناعي؟ تُعد هذه المسألة تحديًا قد يهدد جهود الشركات في تأسيس محتوى رقمي فريد.
إضافةً إلى ذلك، يُعرف الذكاء الاصطناعي بميله للفهم الخاطئ “الهلوسة”، وقد يؤدي ذلك إلى توليد معلومات غير صحيحة، مما يُعرض الشركات لخطر نشر بيانات مضللة. وبلا شك، فإن الفضاء الرقمي، الذي يعاني أصلًا من تخمة معلوماتية، ليس بحاجة إلى مزيد من التشويش والتضليل. بل على العكس، يتوق هذا الفضاء إلى محتوى يتسم بالموضوعية والنزاهة، يكون مصدراً للمعرفة الصحيحة والتنوير الفكري.
اقرأ المقال التالي: تحديات الذكاء الصنعي في سوق الوظائف: استعد للمستقبل
ما هو مستقبل الذكاء الاصطناعي التوليدي؟
على الرغم من البصمة العميقة التي تركها الذكاء الاصطناعي التوليدي، إلا أننا ما زلنا نخطو خطواتنا الأولى في استكشاف آفاقه الواسعة. ونرتقب قريبًا بزوغ أدوات أكثر قوة وانسيابية، ربما تحدث انقلابًا جذريًا في هذا المجال. ومع تطور النماذج اللغوية، قد نرى تقنيات تضاهي البشر في نسج محتوى يأسر الألباب.
بيد أنه من الضروري ألا ننسى دور الإبداع البشري في الكتابة الإبداعية؛ فالإنسان هو البوصلة التي توجه وتصقل استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي.
خلاصة القول
ختامًا، تبقى الأدوات التكنولوجية، مهما بلغت درجة تطورها، في حاجة ماسة إلى اللمسة الإنسانية التي تثري المحتوى وتمنحه روحًا متجددة.
ومن هنا، يبرز التكامل بين الذكاء البشري والاصطناعي كأساس في خلق تجارب ثرية ومؤثرة. لكن ونحن نخطو خطوات واثقة في هذا المجال، يتعين علينا أن نبقى متيقظين، واضعين نصب أعيننا صون القيم الأخلاقية وتعزيز المسؤولية الاجتماعية، كبوصلة ترشد مسيرتنا في هذا العصر الرقمي الجديد.
ما رأيك عزيزي القارئ أن تشاركنا تجربتك مع كتابة المحتوى بالاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي. فكل منا لديه تجربته الفريدة التي تساعد دومًا مشاركتها على أن تعم الفائدة على الجميع.
الكاتب يقترح عليك قراءة: ستارغيت الذكاء الاصطناعي: استثمار مُذهل بين مايكروسوفت وأوبن أيه.أي ب 100 مليار دولار